بعد مداولات مطوّلة: هذا ما تقرر في قضية “ملثّم سيدي بوسعيد”
أصدرت المحكمة الابتدائية بتونس حكماً يقضي بالسجن ستة أشهر على الشاب الذي عُرف إعلامياً باسم
“ملثم سيدي بوسعيد”، وذلك بعد أن ظهر في مقطع فيديو انتشر على شبكات التواصل الاجتماعي وهو يوجّه
سلاحاً مزيّفاً نحو دورية أمنية خلال مرورها بالمدينة السياحية المعروفة سيدي بوسعيد شمال العاصمة.
الحادثة أثارت جدلاً واسعاً بين الرأي العام التونسي، خصوصاً وأنها تزامنت مع فعاليات مرتبطة بـ
قافلة أسطول الصمود
الداعمة للقضية الفلسطينية، حيث ظهر الشاب في أكثر من تسجيل مصوّر وهو يشارك في أنشطة احتجاجية.
النيابة العمومية تحرّكت بسرعة بعد انتشار الفيديوهات، وأذنت بفتح بحث تحقيقي وإيقاف الشاب الذي تمّ التعرف عليه
بفضل تسجيلات كاميرات المراقبة ومتابعة أمنية دقيقة. وقد وُجّهت له تهمة الاعتداء بالعنف الخفيف على موظف عمومي
ومحاولة بثّ البلبلة باستعمال أدوات مزيّفة تشبه الأسلحة النارية.
خلفية الحادثة
في تفاصيل ما جرى، ظهر الشاب الملثّم وهو يخرج نصف جسده من سيارة رباعية الدفع، رافعاً ما بدا للوهلة الأولى أنه
سلاح ناري حقيقي صوب دورية أمنية كانت متمركزة في مفترق طرق رئيسي. وبالرغم من أن السلاح لم يكن سوى
نسخة بلاستيكية تُستعمل عادة في ألعاب المحاكاة، إلا أن خطورة المشهد دفعت الأجهزة الأمنية للتحرّك الفوري
خشية أن يتحوّل الموقف إلى تهديد جدي للسلامة العامة.
الحادثة لم تكن الوحيدة، حيث ظهر الشاب ذاته في فيديو آخر وهو يدفع عون أمن مرور خلال خلاف على خلفية إجراءات مرورية،
وهو ما ضاعف من خطورة الملف وأكّد وجود سلوك استفزازي مقصود تجاه المؤسسة الأمنية.
الإجراءات القضائية
بعد إيقاف الشاب، تمّ عرضه على الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية، حيث استمعت المحكمة إلى محاضر الأمن
وتقارير الخبراء التي أكّدت أن السلاح المستعمل ليس سوى قطعة مزيّفة.
ومع ذلك، شدّد ممثل النيابة العمومية على أن مثل هذه الأفعال لا يمكن التسامح معها،
لأنها قد تشكّل سابقة خطيرة وتشجع على التمادي في الاستهتار بالقانون.
بناءً على ذلك، قضت المحكمة بسجنه ستة أشهر نافذة، مع إمكانية الاستئناف،
في انتظار ما إذا كان فريق دفاعه سيقدّم اعتراضاً على الحكم أو طلب تخفيف العقوبة.
ردود الفعل في الشارع التونسي
انتشرت الفيديوهات بشكل واسع على فيسبوك وتيك توك،
حيث انقسمت الآراء بين من اعتبر أن الشاب ارتكب حماقة كبرى تستوجب العقاب،
وبين من اعتبر أن القضاء كان قاسياً وأن الحادثة لا تعدو أن تكون “مزحة غير محسوبة”.
البعض الآخر ركّز على ضرورة ضبط النفس من جميع الأطراف وعدم تضخيم الحوادث الفردية بشكل يضرّ بصورة البلاد.
من جهة أخرى، أعادت القضية إلى الواجهة النقاش حول التعامل مع الأسلحة المزيّفة
في الفضاء العام، ومدى خطورتها على الأمن، خاصة في ظل الوضع الإقليمي الحساس.
البعد القانوني والأمني
قانونياً، يُصنّف استعمال أدوات أو مجسّمات شبيهة بالأسلحة في الأماكن العامة ضمن الأفعال المجرّمة
إذا كان الغرض منها إحداث بلبلة أو تهديد ضمني. وتؤكد وزارة الداخلية أن مجرد توجيه
سلاح مزيف نحو دورية قد يدفع الأعوان إلى الردّ بقوة السلاح الحقيقي،
ما قد يؤدي إلى نتائج مأساوية لا تُحمد عقباها.
ولهذا، يرى خبراء القانون أن الحكم بالسجن كان يهدف إلى إيصال رسالة ردع
لكل من قد تسوّل له نفسه القيام بأفعال مماثلة.
القضية في سياقها المجتمعي
تأتي هذه الحادثة في وقت تشهد فيه تونس نقاشاً واسعاً حول حرية التعبير والاحتجاجات
وحدود التصرّف الفردي في الفضاء العام. وبينما يؤكد ناشطون حقوقيون
على أهمية حماية حرية التظاهر، يشدد آخرون على أن الأمن القومي
لا يمكن أن يكون مجالاً للتجارب أو المزاح.
الحادثة أيضاً أعادت التذكير بأهمية ترسيخ وعي مجتمعي لدى الشباب بضرورة التفريق
بين أشكال التعبير السلمي والأفعال التي قد تُعرّضهم للمساءلة القانونية.
خاتمة
في النهاية، يمثل ملف ملثم سيدي بوسعيد مثالاً بارزاً على تداخل الأمني بالقانوني والاجتماعي،
حيث لا يمكن النظر إليه بمعزل عن السياق العام الذي تعيشه تونس.
ويبقى الدرس الأساسي أن الحرية مسؤولية، وأن أي تصرف غير محسوب قد تكون له عواقب ثقيلة.
لمزيد من الأخبار التحليلية يمكن متابعة